تعميم مصرف لبنان الجديد... خطوة نحو ضبط الاقتصاد النقدي وتعزيز الشفافية
أثار التعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان (البنك المركزي) لتنظيم التحويلات النقدية عبر مؤسسات الصرافة جدلاً واسعًا، يأتي هذا الإجراء في وقت يشهد فيه الاقتصاد اللبناني تضخمًا غير مسبوق في حجم الاقتصاد النقدي، الذي بات يسيطر على الجزء الأكبر من الحركة المالية. وبينما يرى البعض في هذه الخطوة "ضربة موجعة للاقتصاد الموازي" وضرورة لضبط الفوضى، يؤكد خبراء أن التعميم يهدف قبل كل شيء إلى ضبط الفوضى النقدية وتعزيز الشفافية، من دون أن يعيق التعاملات المالية الشرعية.
خصوصية الوضع اللبناني ومخاطر النقد
يؤكد الخبراء أنّ الإجراءات التي اتّخذها مصرف لبنان بموجب تعميمه الأخير ليست استثناءً، بل تُعدّ ممارسات متّبعة عالميًا لتعزيز الرقابة. إلّا أنّ الخصوصية اللبنانية تكمن في أنّ النقد الورقي (الكاش) يشكّل النسبة الأكبر من التعاملات المالية، بخلاف الدول التي يحضر فيها النقد بنسبة ضئيلة ضمن الدورة الاقتصادية.
هذا الواقع يجعل من الرقابة المشدّدة على التداول النقدي ضرورة حتمية، إذ إنّ توسّع التعاملات النقدية يرفع بشكل كبير مخاطر:
▪︎ تبييض الأموال.
▪︎ تمويل الإرهاب.
▪︎ التهرّب الضريبي وسائر الجرائم المالية.
لذا، تأتي خطوة مصرف لبنان كجزء من سلسلة إجراءات تهدف إلى إحكام الضوابط على حركة الأموال وتعزيز المتابعة الدقيقة للتحويلات النقدية، سعيًا للخروج من دائرة الشبهات المالية
.
ضمان سلاسة التعاملات للمتعاملين الشرعيين
من جهة أخرى، يرى خبراء على أنّ التعميم لن يعرقل عمل اللبنانيين، ولا سيّما الشركات والأفراد الذين يقومون بتعاملات مالية كبيرة. ذلك لأنّ استمارة “اعرف عميلك” (KYC) لا تُملأ سوى مرة واحدة فقط، وبعدها تسير العمليات بشكل طبيعي ومنتظم.
وبالتالي، لا يفترض أن تثير هذه الإجراءات أي قلق لدى المتعاملين الشرعيين الذين يستخدمون “المال النظيف” ويمارسون نشاطًا واضحًا وموثّقًا. الهدف الأساسي هو تقليص الفوضى التي غذّت الأزمة خلال السنوات الماضية، وضبط الاقتصاد النقدي الذي خرج عن سيطرة القطاع المصرفي.
التطلعات المستقبلية: العودة إلى الاقتصاد المنظم
يُعوَّل على أن تتكامل هذه الإجراءات الرقابية مع أي حلّ مالي مرتقب، بما يسمح بعودة القطاع المصرفي إلى دوره الطبيعي. في ظل استمرار الانهيار، يبقى التشدّد الرقابي هو السبيل الأساسي لتقليص حجم الاقتصاد النقدي إلى مستويات يمكن ضبطها بسهولة، ووضع حد للفوضى المالية.
- شارك الخبر:
