من صخرة الروشة إلى مجلس الوزراء: دولة تُدار بالترقيع
بقلم هشام يحيى
مرة أخرى، ينجح أهل السلطة في لبنان في اجتياز الأزمة… لا بحكمةٍ سياسية أو رؤية إصلاحية، بل بمهارةٍ قديمة في فنّ الترقيع. فالجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، التي رُوّج لها كـ"نقطة تحوّل" و"عودة إلى التوازن"، لم تكن أكثر من عملية إسعاف سياسي عاجلة لتفادي مواجهةٍ كادت تُشعل الصدام بين العهد والحكومة في عامهما الأول.
الهدوء الذي رافق الجلسة لا يعني أن الخلافات انتهت، بل أن الجميع قرّر دفنها مؤقتًا تحت ركام التسويات الغامضة. فالسلطة اللبنانية، كعادتها، تبرع في تأجيل الانفجار لا منعه، وتتفنن في إنتاج "حلول وسط" لا تحمل لا وضوحًا ولا جرأة، لكنها تضمن استمرار اللعبة على حساب الدولة.
الواقع أن ما سُمّي بـ"تفاهم اللحظة" لم يولد من توافقٍ داخلي ناضج، بل من خوفٍ مشترك من الانهيار. فالاتصالات المكثّفة التي سبقت الجلسة لم تُثمر عن تفاهم سياسي بقدر ما كشفت هشاشة البنية الحاكمة، التي تخشى أن يتحوّل أي اختلاف في الصلاحيات إلى شرارة مواجهة تُسقط حكومة العهد الأولى في امتحانها المبكر.
لقد نجا أهل الحكم من "فخّ صخرة الروشة" — مجازًا وسياسيًا — لكنهم فعلوا ذلك بالأسلوب اللبناني التقليدي: دفن الأزمة حيّة بدل حلّها. وكأنّ البلاد لم تتعلّم من تجاربها السابقة أنّ نصف الحلّ هو نصف الكارثة. فالتسويات المؤقتة قد تمنع الانفجار اليوم، لكنها تُراكم أسباب الانفجار غدًا.
إنّ ما حصل في الجلسة ليس انتصارًا للتوافق، بل هروبًا من الحقيقة: أنّ الدولة لا تُبنى على الموازنات الدقيقة بين الرئاسات، بل على وضوح القرار والمسؤولية. وأنّ حكومة تُدار بمنطق المساكنة السياسية، لا يمكن أن تكون قادرة على خوض المعارك الاقتصادية والأمنية التي تحاصر لبنان اليوم.
باختصار، ما جرى ليس إنقاذًا بل تأجيلًا للانهيار. تسوية جديدة تضاف إلى أرشيف التسويات اللبنانية التي تُخدّر الأزمة بدل معالجتها. أما العبرة الحقيقية، فهي أن العهد وحكومته لا يُختبران بقدرة كل طرف على التنازل عن جزء من صلاحياته، بل بقدرتهما على مواجهة الواقع بشجاعة... لا بالترقيع.
- شارك الخبر: