عاجل

image

ملف بلدية بيروت: تصاعد شبهات الفساد والتحقيق يتجه نحو جناية


​يُمثل التطور الأخير في ملف بلدية بيروت، المتمثل في الإدعاء الجديد على أمين الخزينة، خ.أ.ع.، بجناية، نقطة تحول خطيرة في التحقيق الجاري. فما بدأ كمخالفة في صرف تعويضات دون مسوغ قانوني تحول سريعاً إلى شبهات باختلاس وغش، مما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول مدى انتشار الفساد المالي في هذه المؤسسة الإدارية المركزية.

​تطور خطير: من جنحة إلى جناية

​بدأ التحقيق الأساسي مع أمين الخزينة بدعوى صرف تعويضات غير قانونية لضباط فوج إطفاء بيروت بلغت 330 ألف دولار. هذا التصرف استدعى ادعاء النيابة العامة المالية على أمين الخزينة منفرداً بموجب جنحتي المادتين 359 و 363 من قانون العقوبات، المتعلقين بالاختلاس وهدر وتبديد الأموال العامة وإدخال الغش في إدارتها.

​التحوّل الجوهري جاء مع توسع التحقيق، حيث برزت مخالفات جديدة تتعلق بدفع مستحقات لمتعهدين. هنا، لم يقتصر الإدعاء الجديد على الجنحتين السابقتين، بل أُضيف إليهما جناية المادة 360 من قانون العقوبات، والتي ترتبط بـ"دسّ دسائس غير صحيحة في فواتير لمنع اكتشاف الاختلاس". هذا التطور يشير إلى:
​تعمّد الإخفاء والتلاعب: تشير الجناية المضافة إلى شبهات بتخطيط مسبق للتلاعب بالسجلات والوثائق لمنع اكتشاف النقص في الخزينة، مما يرفع مستوى التهمة الجنائية بشكل كبير.
​تضخم حجم المخالفات: يدل ظهور مخالفات جديدة تتعلق بالمتعهدين، بالإضافة إلى ملف فوج الإطفاء، على أن المشكلة قد تكون منهجية وواسعة الانتشار داخل الدائرة المالية للبلدية.

​تساؤلات حول مسؤولية "المُنفرِد"

​من أبرز النقاط التي يركز عليها التحقيق هي أن الإدعاءات حتى الآن "حملها بمفرده" أمين الخزينة. وعلى الرغم من أن الموقوف هو المسؤول المباشر عن إدارة شؤون الخزينة، فإن حجم ونوعية المخالفات المكتشفة، خاصةً المتعلقة بالمتعهدين والتلاعب بالفواتير (المادة 360)، تثير تساؤلات جدية حول:

​الرقابة الداخلية: كيف تمكن أمين الخزينة من دفع مئات آلاف الدولارات وتمرير دفعات لمتعهدين وإدخال دسائس في الفواتير دون أي موافقة أو توقيع أو رقابة من جهات أعلى أو لجان تدقيق داخلية؟

​شبكة التواطؤ المحتملة: يصعب في قضايا الهدر والاختلاس الكبيرة أن يكون المنفذ شخصاً واحداً. فالتلاعب بالفواتير يتطلب غالباً تواطؤاً، على الأقل مع متعهدين أو موظفين آخرين في أقسام التدقيق والمحاسبة.

​إن استمرار الإدعاء منفرداً على أمين الخزينة يضع ضغطاً على التحقيق للكشف عن أي شركاء محتملين أو متواطئين، سواء كانوا من الموظفين أو من الجهات المستفيدة (المتعهدين).

​استماع المحافظ: التحقيق يتوسع عمودياً
​يمثل استماع قاضي التحقيق الأول في بيروت، رلى عثمان، إلى محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، بصفة شاهد، مؤشراً على توسع نطاق التحقيق، وإن كان بطريقة حذرة.

​دور المحافظ كشاهد: إن استماع المحافظ كشاهد يعني أن التحقيق يهدف إلى استيضاح الإجراءات الإدارية والرقابية المتبعة في البلدية، وعما إذا كان المحافظ على علم بأي من هذه المخالفات أو إذا كان هناك تقصير إداري في الإشراف.

​فتح مسار الرقابة العليا: يعتبر المحافظ، بحكم منصبه، رئيساً للمؤسسة. استدعاؤه يفتح المسار للتحقيق في مسؤولية الإدارة العليا عن التقصير في الرقابة على الشؤون المالية، حتى لو لم تكن هناك شبهة مباشرة بالتورط الشخصي في الاختلاس.

​دور ديوان المحاسبة والختم الأخير

​يُشير التقرير إلى أن التحقيقات جاءت بناءً على تقرير ديوان المحاسبة الذي كشف عن "نقص في خزينة البلدية" بعد مقارنة الموجودات مع إيصالات الدفع للمتعهدين. هذا يؤكد على:
​الأهمية المحورية للرقابة الخارجية: يلعب ديوان المحاسبة دوراً حاسماً كجهاز رقابي خارجي يكتشف المخالفات التي قد تمر تحت عباءة الرقابة الداخلية المتراخية أو المتواطئة.
​الإثبات المالي: يشكل التقرير أساساً متيناً للإدعاءات، حيث يقدم الإثبات المالي والمحاسبي الملموس للنقص في الأموال العامة.

في ​الخلاصة، ​يؤكد ملف بلدية بيروت تكرار نمط الفساد الإداري والمالي في المؤسسات العامة، حيث يؤدي تضارب الصلاحيات وغياب الرقابة الفعالة إلى استنزاف الأموال العامة. إن تحول الإدعاء ضد أمين الخزينة إلى مستوى الجناية يشير إلى جدية المخالفات وإلى وجود شبهات بالتلاعب الممنهج. ومع استماع القضاء للمحافظ بصفة شاهد، ينتقل التحقيق من التركيز على الموظف التنفيذي إلى فحص آليات الرقابة والإشراف العليا، وهي خطوة ضرورية للكشف عن كامل حقيقة ما يجري في أهم بلدية في لبنان.

  • شارك الخبر: