سقوط "البارون" نوح زعيتر لماذا الآن؟
في خطوة أمنية مدوّية، نجحت مديرية مخابرات الجيش اللبناني في إلقاء القبض على نوح زعيتر، "بارون" المخدرات الأبرز في البلاد، في كمين محكم على طريق الكنيسة - بعلبك. لم تكن هذه العملية مجرد توقيف لأحد أخطر المطلوبين بجرائم الاتجار بالكبتاغون والحشيش والسلاح، بل شكّلت نقطة تحوّل رمزية قد تشير إلى بدء تآكل النفوذ المطلق لقوى الأمر الواقع التي لطالما حمت وأحاطت بأمثال هؤلاء "الأباطرة" في مناطق نفوذهم.
تحطيم حصن "الدويلة" في البقاع
على مدى سنوات طويلة، مثّل نوح زعيتر، الذي بحقه أكثر من 150 حكماً غيابياً، نموذجاً حيّاً لـ"دولة موازية" تعيش وتزدهر خارج سيطرة القانون. كانت منطقة البقاع، وتحديداً عقر داره، تُعتبر "منطقة رمادية" بامتياز، يتحرّك فيها المطلوبون بحرّية ويلتقطون الصور التحدّيّة للعدالة، ما يؤكد تداخل مصالحهم مع شبكات حماية ونفوذ طويلة الأمد.
إن توقيف زعيتر، الذي جاء بعد يومين فقط من مقتل جنديين للجيش في اشتباكات مع تجار مخدرات في حي الشراونة، هو رسالة مزدوجة وواضحة:
رسالة أمنية داخلية: الجيش اللبناني يثبت أنه "يمسك بالزمام" وأن دماء جنوده لن تذهب هدراً، مؤكداً استعداده لاختراق أقوى الحصانات المحلية التي كانت تضمن لهؤلاء الحماية.
رسالة سياسية خارجية: يأتي التوقيف في توقيت دقيق، حيث تتزايد الضغوط الدولية (الأمريكية والأوروبية) على لبنان بخصوص ملفات تهريب الكبتاغون والارتباطات الإقليمية. وبما أن زعيتر مدرج على لوائح العقوبات الدولية ويُتهم بالارتباط بملفات إقليمية، فإن تسليمه للعدالة يُعتبر "إنجازاً" يُقدّم لإقناع القوى الدولية بـ"تجاوب"القوى المؤثرة في المنطقة مع مطالبهم، وقد يكون محاولة لترميم صورة تلك القوى في الخارج.
مرحلة "تجميل الصورة" وتراجع الغطاء
السؤال ليس "لماذا اعتُقل زعيتر الآن؟" بعد كل هذه السنوات من الهروب، بل "لماذا لم يُعتقل من قبل؟".
لقد أثبتت العملية أن هذا "البارون"، الذي كان يتنقل بحرية نسبية، لم يعد يملك الغطاء والحماية اللوجستية والسياسية التي تمتع بها سابقاً. فـ"تخفّيه لثلاث سنوات" وتوقيفه بـ"هدوء كامل ودون مقاومة" يشي بأن كل خطوط هروبه قُطعت و"امتداداته" انهارت، ما جعله يجد نفسه في طريق مسدود.
إن سقوط رمز بهذا الحجم قد يكون بداية لمرحلة جديدة حيث يصبح الحفاظ على بعض الشخصيات التي تجاوزت الخطوط الحمر الدولية عبئاً أمنياً وسياسياً على قوى النفوذ بدلاً من أن يكون ورقة قوة.
في الخلاصة، توقيف نوح زعيتر هو أكثر من إنجاز أمني، إنه اختبار حقيقي لاستعادة سيادة الدولة الكاملة على أراضيها وقرارها. يشير هذا الحدث بقوة إلى أن زمن الـ"حُماة المطلقين" يتراجع، وأن قوى الأمر الواقع قد بدأت بتقديم تضحيات لـتجميل صورتها أمام الخارج ودرء عقوبات إضافية، ما يفتح الباب أمام ملاحقة حقيقية لتلاشي نفوذ "الأباطرة" الذين عاشوا في ظل التراخي وعصوا سلطة القانون لعقود.
هل ستكون هذه الخطوة بداية لتفكيك الشبكات الأوسع التي كانت تعمل تحت الحماية، أم أنها مجرد "تضحية كبرى" لامتصاص الغضب وتأمين تسويات أخرى؟ الأيام المقبلة ستكشف مدى عمق هذا التحول.
- شارك الخبر:
