مبادرة الاستقلال هل تكفي وحدها لإنقاذ لبنان؟!
أتت "مبادرة الاستقلال" في لحظة سياسية دقيقة، تحمل في طياتها اعترافًا رسميًا بضرورة استعادة الدولة لدورها وسيادتها. ورغم ما تضمّنته من خطوات أولية تتصل بحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، فإن الواقع يكشف أن لبنان يقف أمام استحقاق أكبر بكثير من مجرد إعلان النوايا. فالمعادلة اليوم لم تعد داخلية حصراً؛ بل باتت مرتبطة بشكل مباشر بالضغوط الدولية، وتحديدًا بالخريطة التي طرحتها الولايات المتحدة والتي تربط بين معالجة ملف السلاح وتنفيذ سلّة إصلاحات مالية واقتصادية لا تحتمل التأجيل.
هذه الخريطة، التي باتت معروفة حتى من قبل أهل السلطة أنفسهم، تضع على لبنان مساراً واضحاً: ضبط السلاح خارج إطار الدولة بالتوازي مع إصلاحات جدّية تعيد هيكلة المالية العامة وتستعيد الثقة الدولية. ومع أنّ واشنطن لا تخفي موقفها من ضرورة معالجة ملف السلاح كشرط أساسي لحماية الاستقرار، فإنها في الوقت ذاته ترى أن معالجة الانهيار المالي ليست أقل إلحاحًا، لأنها تشكل البوابة لإعادة ضخ المساعدات والاستثمارات وإعادة ربط لبنان بدورته الاقتصادية الطبيعية.
ورغم كل هذه الإشارات، لا يزال جزء كبير من الطبقة السياسية يتصرف وكأن الزمن طويل، وكأن المراوغة والتذاكي ومحاولة الالتفاف ممكنة. لكن الرسائل التي حملها زوار لبنان من الموفدين العرب والدوليين أخيرًا كانت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: المطلوب خطوات فعلية، لا خطابات مطوّلة ولا بيانات ناعمة. فالمرحلة لم تعد تحتمل سياسة "شراء الوقت"، ولا الاستمرار في الهروب من الالتزامات التي يعرفها الجميع، والتي يدرك أهل السلطة قبل غيرهم أنها باتت شرطًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من هنا يصبح نجاح "مبادرة الاستقلال" أو أي مبادرة أخرى مرهوناً بمدى استعداد لبنان للانخراط بجدية في المسار المطلوب دوليًا: معالجة ملف السلاح ضمن صيغة تتولاها الدولة حصراً، وإطلاق ورشة إصلاحات حقيقية تشكل رافعة للثقة الخارجية والداخلية. فالحفاظ على استقرار لبنان لم يعد مسؤولية الخارج فحسب، بل رهن بقدرة السلطة على قراءة اللحظة كما يجب، والتخلي عن أساليب المماطلة التي لم تعد تقنع أحدًا. وفي بلد يقف على حدود الاحتمالات الخطرة، لم يعد هناك ترفٌ للوقت ولا مساحة للمغامرة.
- شارك الخبر:
