صراع الإرادات: جهود التهدئة الديبلوماسية مقابل التصعيد الإسرائيلي...
تشهد المنطقة تقاطعات دبلوماسية معقدة ومتباينة الأهداف، حيث تتصاعد في الكواليس جهود إقليمية مكثفة لاحتواء التوتر القائم، فيما يُظهر الجانب الإسرائيلي تصلباً يعرقل مساعي التهدئة الدولية والأميركية.
تؤكد مصادر مطلعة أن هناك تعويلاً سياسياً متزايداً على تشابك المصالح والقدرات بين أربع قوى إقليمية رئيسية: السعودية، قطر، إيران، وتركيا. هذا الحراك يجري "بعيداً عن الأضواء"، مما يشير إلى طبيعته الحساسة والضرورة المُلحة للوصول إلى صيغة تفاهم تحول دون الانزلاق إلى مواجهة أوسع. تمثل هذه الدول محاور تأثير مختلفة، لكن مصالحها تتفق على ضرورة تثبيت الاستقرار، خاصةً مع الروابط التي يمتلكونها إما مع واشنطن (الرياض والدوحة وأنقرة) أو مع قوى المقاومة (طهران).
1. رهان التهدئة الأميركي المُحبط
على الرغم من الرغبة الأميركية الواضحة في التهدئة، والتي تجسّدت في حراك دبلوماسي على أكثر من مستوى، لا تبدو هذه الجهود مُثمرة في مواجهة العناد الإسرائيلي. وتكشف المعطيات أن ممثلي الإدارة الأميركية، بمن فيهم توم براك ومورغان أورتاغوس، بالإضافة إلى المساعي المصرية، لم يتمكنوا من انتزاع أي "تنازل أو تجاوب" من إسرائيل لخفض التصعيد أو التفكير بالانسحاب من لبنان.
ويؤكد هذا التضارب أن واشنطن، ورغم تأثيرها الاستراتيجي على تل أبيب، لا تزال تواجه صعوبة في فرض رؤيتها للتهدئة على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي يبدو أنها تتبع أجندة عسكرية خاصة متأثرة باعتبارات داخلية وإقليمية.
2. سفارة أميركا ودلالات "عين التينة"
يشير تكرار زيارات السفير الأميركي ميشال عيسى إلى "عين التينة" (مقر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري) خلال فترة قصيرة إلى الأهمية المركزية التي توليها واشنطن للبنان كجبهة محورية في الصراع. رئيس البرلمان يمثل قناة التواصل شبه الرسمية بين الجانب الأميركي وحزب الله، مما يجعل زيارات السفير محاولات لنقل رسائل التهدئة والتأكيد على الموقف الأميركي الرامي إلى "منع توسع الحرب"، رغم أن هذا التوجه لا يجد آذاناً صاغية في تل أبيب.
3. عامل ترامب: "الوحيد القادر على لجم إسرائيل"
في ظل انسداد أفق الدبلوماسية الرسمية، تبرز معطيات تشير إلى تعويل سياسي غير مباشر على دور لاعب خارق للطبيعة الدبلوماسية: الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ووفقاً لمصدر سياسي مطلع، يُعتبر ترامب "الوحيد القادر على أن يمون على إسرائيل"، في إشارة إلى العلاقة الشخصية القوية بينه وبين نتنياهو، ومواقفه السابقة التي كانت منحازة بشكل مطلق للرؤية الإسرائيلية.
تتجه الأنظار نحو اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو في التاسع والعشرين من الشهر الجاري. إن أي إشارة أو تفاهم قد يتمخض عن هذا اللقاء، حتى لو كان غير رسمي، قد يحمل تأثيراً كبيراً على حسابات القيادة الإسرائيلية، خاصةً وأن ترامب لا يزال يتمتع بوزن سياسي حاسم في المشهد الأميركي.
المنطقة تقف على مفترق طرق:
جهود إقليمية هادئة: تسعى إلى بناء مظلة احتواء متعددة الأطراف (سعودية-قطرية-إيرانية-تركية) لحماية المصالح المشتركة من الانفجار.
انسداد دبلوماسي أميركي: رغم النية بالتهدئة، لا تستطيع واشنطن كسر الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في التصعيد، مما يضعف دورها كوسيط فاعل.
الرهان على "العامل الشخصي": تضع بعض الأوساط آمالها على دور غير تقليدي لـدونالد ترامب لفكفكة العقدة الإسرائيلية، في ظل فشل القنوات الرسمية.
يبقى مفتاح التهدئة الحقيقي معلقاً بين الأجندة الإسرائيلية الداخلية المعقدة، والتأثير القوي الذي يمكن أن يمارسه تحالف المصالح الإقليمية أو ضغط غير رسمي من شخصيات ذات ثقل على غرار ترامب.
- شارك الخبر:
