مسارات المحور والمفترق الوجودي..!
بينما تُقرَع طبول الحرب في أكثر من ساحة إقليمية، يتّجه النقاش السياسي اليوم إلى ما هو أبعد من سؤال توقيت المواجهة أو اتّساعها، ليطال جوهر المعادلة التي حكمت المنطقة خلال العقدين الماضيين، والمتمثّلة بما عُرف بـ«محور الممانعة». فوفق الوقائع المتراكمة من غزة إلى لبنان، مروراً بسوريا والعراق واليمن، يبدو أنّ هذا المحور دخل مرحلة تآكل بنيوي، أفقدته القدرة على التأثير في مسار الأحداث أو فرض معادلات جديدة على الأرض.
تشير مصادر نيابية مواكبة إلى أنّ التحوّلات الإقليمية الأخيرة كشفت حدود القوة التي لطالما روّج لها هذا المحور، سواء على مستوى الردع أو على صعيد إدارة الصراعات المفتوحة. فالتوازنات الدولية والإقليمية تغيّرت، فيما تراجعت قدرة المحور على توظيف الساحات المختلفة كورقة ضغط فعّالة، بعدما تحوّلت هذه الساحات نفسها إلى عبء سياسي وعسكري واقتصادي.
في غزة، ورغم حجم الدمار والمواجهات، لم تنجح المعادلة التي راهن عليها المحور في تحقيق اختراق استراتيجي يُبدّل قواعد الاشتباك أو يفرض تسويات مختلفة. وفي لبنان، يزداد القلق من أن تكون الساحة الداخلية محكومة بمنطق الانتظار والترقّب، في ظل عجز واضح عن المبادرة أو فرض شروط جديدة، ما يضع البلاد أمام مخاطر الانزلاق إلى مواجهة لا تملك أدوات التحكّم بمسارها أو نتائجها.
أما في سوريا، فقد شكّلت الضربات المتتالية التي تلقّاها النظام، سياسياً وعسكرياً، نموذجاً صارخاً لما يمكن أن تؤول إليه حال أي طرف يفقد الغطاء الدولي والقدرة على المناورة. إذ بات النظام السوري خارج المعادلة الإقليمية الفاعلة، بعدما تحوّل حضوره إلى عبء يُدار من الخارج، لا لاعباً قادراً على التأثير. هذا النموذج، بحسب المصادر، يثير قلقاً متزايداً داخل أروقة المحور، ويفرض إعادة حسابات على أكثر من مستوى.
وفي العراق واليمن، تتّضح الصورة نفسها، حيث تواجه القوى المنضوية ضمن هذا المحور ضغوطاً داخلية متصاعدة، وانكشافاً سياسياً أمام مجتمعاتها، بالتوازي مع تضييق دولي وإقليمي يحدّ من قدرتها على الحركة والمبادرة.
انطلاقاً من هذه المعطيات، ترى المصادر أنّ محور الممانعة لم يعد في موقع الهجوم أو فرض الشروط، بل بات في موقع الدفاع ومحاولة احتواء الخسائر. فالخيارات المتاحة أمامه اليوم تنحصر بين السعي إلى الحدّ من تداعيات الضغوط المتراكمة، أو الاستعداد لمواجهة ضربة قاصمة قد تعيد رسم المشهد الإقليمي برمّته، على نحو يُشبه ما شهدته الساحة السورية في مراحل مفصلية سابقة.
وعليه، يبدو أنّ المرحلة المقبلة لن تكون مرحلة توسّع أو فرض وقائع جديدة، بقدر ما ستكون مرحلة اختبار قاسٍ لقدرة هذا المحور على الصمود، أو على التكيّف مع واقع إقليمي جديد لم يعد يسمح باستنساخ المعادلات القديمة أو الرهانات التي استُهلكت ولم تعد قابلة للحياة.
- شارك الخبر:
