عاجل

image

اغتيال "طبطبائي" يخلط الأوراق ويفتح باب الاحتمالات الواسعة

أعاد اغتيال هيثم طبطبائي في قلب الضاحية الجنوبية، ومعه أربعة مسؤولين عسكريين من حزب الله، خلط الأوراق من جديد، وأخرج إلى السطح سلسلة من المعطيات التي كانت راكدة منذ توقف العمليات الواسعة. فالضربة، بمكانها وتوقيتها وحجمها، تحمل رسائل متعددة الاتجاهات، وتشير إلى أن مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار لا تقلّ حساسية عن أيام المواجهة نفسها.

أول هذه المعطيات أن إسرائيل ماضية في تنفيذ "أجندتها" الخاصة، استنادًا إلى قراءتها لاتفاق وقف إطلاق النار، وهي تستغلّ أي هامش متاح لتعزيز موقعها الاستراتيجي. فالعملية الأخيرة تأتي ضمن سياق واضح يؤكد أن تل أبيب لا ترى في الهدنة سوى فرصة لترتيب بيئتها الأمنية وتجفيف مصادر القوة لدى خصومها.

أما المعطى الثاني فيتعلق بحزب الله نفسه، الذي يبدو أنه يتابع مسار إعادة الترميم وإعادة بناء هيكليته العسكرية. تعاقب المسؤوليات بين فؤاد شكر ثم إبراهيم عقيل وصولًا إلى طبطبائي يؤشر إلى مسار داخلي ينشط بصمت، هدفه إعادة ملء الفراغات التي خلّفتها الضربات المتتالية. ما أكده الشيخ علي دعموش خلال التشييع يعزز هذا الانطباع، إذ تحدث صراحة عن دور بارز لطبطبائي في التخطيط ورسم استراتيجيات المواجهة بعد وقف إطلاق النار.

المعطى الثالث يتمثل بعدم ردّ الحزب على الضربة رغم قسوتها، وهي الأكثر إيلامًا منذ 27 تشرين الثاني الماضي. هذا الامتناع يفتح باب التأويل على احتمالين: إما أن إيران تمارس سياسة التريث بانتظار تبلور شروط مختلفة للصراع، أو أن الحزب يدرك أن الرد في هذا التوقيت قد يشكل فخًا تنصبه إسرائيل لاستجراره إلى مواجهة أوسع تمهّد لموجة ضربات مضاعفة.

في مقابل ذلك، يبرز المعطى الرابع والمتعلق بالموقف الأميركي. فواشنطن لا تلوّح بأي "فيتو ديبلوماسي" يمنع إسرائيل من توسيع هامش عملياتها، ما يعطي انطباعًا بأن الضوء الأخضر الأميركي لا يزال قائمًا، أو على الأقل أن الولايات المتحدة تتجنب كبح تل أبيب في هذا المسار.

أمام هذه الصورة المركّبة، تبدو الساحة مفتوحة على مختلف الاحتمالات، من التصعيد المحسوب إلى التدهور غير المقصود. وحدها بوادر التفاوض التي تظهر بين الحين والآخر قد تشكّل مسارًا معاكسًا لهذه المعطيات، لكنها تبقى حتى الآن في إطار الإشارات الأولية غير المضمونة.

وفي ظل غياب تحول حقيقي في المشهد الإقليمي، ستبقى المرحلة المقبلة محكومة بالضبابية نفسها التي طبعت الأسابيع التي تلت وقف إطلاق النار، مع بقاء كل طرف في حالة ترقّب وانتظار للحظة المناسبة لتعديل ميزان القوى.


 

  • شارك الخبر: