هجوم أستراليا..صراع السرديات وتقاطعات الأمن والسياسة
شهد شاطئ بوندي في أستراليا حادثة أمنية بالغة الخطورة، حين أقدم شخصان أو ثلاثة على مهاجمة تجمع ليهود كانوا يحيون عيد “الهانوكا”، ما أسفر عن سقوط اثني عشر قتيلًا، من بينهم إسرائيلي واحد، وإصابة تسعة وعشرين آخرين. ورغم أن هوية المنفذين لم تُحسم بشكل نهائي حتى الآن، سارعت السلطات الأسترالية إلى الإعلان عن اسم أحد المشتبه بهم، نارفيد أكرم، قبل أن يتبيّن لاحقًا أنه يحمل الجنسية الباكستانية.
سرعان ما تشكّلت سردية سياسية–إعلامية قادتها إسرائيل، وارتكزت على توصيف الهجوم باعتباره حلقة جديدة في ما سمّي “الخطر العالمي على اليهود” ومعاداة السامية. خطابٌ وجد طريقه سريعًا إلى المنابر الغربية، وأُدرج الحادث في سياق صراع الهويات والطوائف، لا في إطار فعل إرهابي يستهدف مدنيين.
غير أن هذه السردية لم تصمد طويلًا. فدخول أحمد الأحمد، بائع الخضار الذي واجه مطلق النار وحيّده، قلب المشهد رأسًا على عقب. هذا الفعل الفردي البطولي أعاد توصيف ما جرى بوصفه هجومًا إرهابيًا على مدنيين، لا صراعًا دينيًا أو عرقيًا. وبذلك، تبدّل الخطاب الدولي، وتقاطعت المواقف العالمية على إدانة العملية بوصفها فعلًا إرهابيًا مدانًا.
في هذا السياق، توالت بيانات التنديد من مختلف دول العالم. الغرب بمعظمه أعلن تضامنه مع الضحايا والمجتمع اليهودي، مؤكدًا الاستمرار في مكافحة معاداة السامية. عربيًا، دانت السعودية وقطر والإمارات ولبنان والأردن الهجوم، مع تسجيل ملاحظة سياسية لافتة تمثّلت في أن الإمارات وحدها سمّت هوية التجمع المستهدف باعتباره تجمعًا يهوديًا، فيما اكتفت دول أخرى بإدانة الإرهاب بصيغ عامة. أما إيران، فأكدت رفضها المبدئي للإرهاب وقتل المدنيين أينما كان.
لكن الهجوم الأسترالي لم يبقَ محصورًا في حدوده الجغرافية. فقد أُقحم لبنان سريعًا في المشهد، عبر تداول معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن أن أحد المهاجمين لبناني يُدعى خالد النابلسي. وبحسب المعلومات تبيّن حتى الآن أنها غير مثبتة رسميًا. ووفق ما أفادت به ا حصل تواصل بين السلطات الأمنية الأسترالية واللبنانية، من دون أن تؤكد أستراليا خلاله هوية المنفذين أو وجود لبناني بينهم.
محاولة زجّ لبنان في الهجوم، رغم غياب المعطيات الحاسمة، لم تحجب أهمية ملفّين أساسيين على الساحة اللبنانية. الأول، ما حصل في يانوح يوم أمس، وما يعكسه من حساسية الوضع الميداني والأمني. والثاني، مستوى الجدية التي أظهرها رئيس لجنة “الميكانيزم” الجنرال الأميركي جوزاف كليرفيلد في مقاربة تفاصيل الحادثة، بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
إلى ذلك، بين أستراليا ولبنان، وبين السرديات الجاهزة والوقائع الصلبة، يتكشّف مشهد سياسي–أمني بالغ التعقيد. أيام مثقلة بالأخبار البشعة، لم يكسر حدّتها سوى فعل إنساني شجاع، قام به رجل بسيط اسمه أحمد الأحمد، انتزع من إرهابي آلة القتل، وذكّر العالم بأن الأفعال الفردية قد تسقط أضخم السرديات السياسية.
- شارك الخبر:
